عبق التاريخ في بخارى
بخارى هي واحدة من أكثر مدن آسيا الوسطى عراقة، اشتهرت بالمدارس ودور العلم منذ مئات السنين. وكانت مدارسها تحظى بالعناية والرعاية من قبل الحكام على مر السنين. وكانت تخصص لها أموال طائلة وينفق على مبانيها الكثير. وتخصص لها أوقاف عديدة وتوضع جميع الإمكانات المادية والفنية واللمسات المعمارية، وتستخدم مواد البناء جميلة الألوان من السيراميك والفسيفساء في تشكيلات هندسية فائقة الجمال.
لعبت بخارى أدواراً مهمة في التاريخ، فلقد ضمها الإسكندر الأكبر الى إمبراطوريته، حيث كانت تابعة لسلوتيا - نسبة للقائد سلوتس - الذي بنى عاصمته على نهر دجلة قريبا من بغداد - سلوتيا - على غرار القائد اليوناني "بطليموس" الذي بنى عاصمته في الإسكندرية.
وتعد بخارى إحدى المدن التي أطلق عليها العرب "ما وراء النهر" ويقصدون بذلك نهر جيحون "آموداريا"، والنهر الآخر "ياكارتيس" وهو "سرداريا" ويطلقون عليه سيحون.
بعدما تراخت قبضة اليونانيين السلوقيين على بخارى تأسست هناك مملكة توخار لكنهم وقعوا في قبضة جنكيز خان عام 1222.
ومنذ ما قبل الميلاد كانت بخارى ذات شأن مهم، فقد كانت موقعا مهما للقوافل المقبلة من الغرب باتجاه الصين والقوافل القادمة من الجنوب الى الشمال، وذلك لأسباب مهمة أولها توافر المياه العذبة والمناخ الملائم وخصب الأراضي ووفرة المنتوجات، حيث تلاقي القوافل في الزمن القديم موقعا ملائما للإقامة والتزود بما تحتاجه لإكمال طريقها الشاق والطويل فضلا عن متاجرتها مع المدنيين، وذلك سبب كاف لثروة المدينة وغناها وتوافر الامن والاستقرار فيها.
ويصفها ياقوت الحموي بأنها أحسن بلاد ما وراء النهر، وهي المكان الذي يجد فيه المرء كل ما يشتهيه قلبه حسب ما يقول "ماركو بولو" في كتاب رحلته إلى الصين المثير للجدل منذ عصور.
دخلها المسلمون في وقت مبكر في العام تسعين هجرية الموافق لعام 710 ميلادية اشتهرت بخارى عند العرب على يد جامع الأحاديث النبوية الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وفي مدارسها العتيقة في الزمان تعلم الإمام صبيا. ويقال بأنه حج الى بيت الله الحرام يافعا وهو ابن ست عشرة سنة. وأمضى ست سنوات بالحجاز. وعاين المجتمع الاسلامي في بداياته الاولى، وشهد الصراعات التي كانت تزخر بها تلك المجتمعات، لكنه لم يكتب وصفا لعصره. ولكن بلاشك كان على صلة الوصل معهم.
وطاف البخاري بالعديد من البلدان مثل اليمن ومصر وبلاد الشام وبكل تأكيد العراق مركز الخلافة الإسلامية يومذاك. وكانت بخارى ذاتها تابعة للخلافة العباسية. وكان يستقصي في رحلاته الأحاديث النبوية.
فجمع سبعمائة ألف حديث اصطفى منها سبعة آلاف حديث صحيح في كتابه 'الجامع الصحيح' !
تشتهر بخارى بقلعتها التي بنيت قبل الميلاد واسمها 'اراك - قلعة' وتستخدم الان كمتحف وطني يعرض لتاريخ بخارى عبر العصور المتتالية.
وتعد بخارى اليوم واحدة من الأقاليم الرئيسية في جمهورية أوزبكستان ويقطنها مائتا ألف نسمة من السكان وتقع في وادي زارافشان، وتعتمد في اقتصادها على السياحة إلى جانب الزراعة، فالسياح يقصدونها ويقصدون المدينة التوأم لها "سمرقند" للاطلاع على عشرات المباني والقلاع والمدارس التاريخية.
واحتل القياصرة الروس بخارى وما حولها من المدن الإسلامية عام 1866م وشتتوا المنطقة ومزّقوها بتقسيماتهم المغرضة فصارت من نصيب بخارى وسمرقند وترمذ والشاش أن تكون ضمن دولة سميت "أوزبكستان".
بخارى هي اليوم عاصمة الإدارة الدينية الإسلامية في أوزبكستان بعد "طشقند" التي كانت تسمى قديماً بـ"الشاش"، وهنالك مدارس تاريخية تعود لمئات السنين مثل مدرسة أولوغبيك (حفيد تيمورلنك) حيث بدأ التدريس فيها عام 1417ميلادية وكتب على بابها العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهناك مدرسة "تشار منار" (يعني المنارات الأربع )